فرط كوليسترول الدم العائلي: الخطر الصامت الذي يهدد القلب منذ الطفولة
تخيّل أن شابًا في الثلاثين من عمره، يتمتع بصحة جيدة، لا يدخن، ويحافظ على نظام غذائي معتدل، لكنه يتعرض لأزمة قلبية حادة. في هذه الحالات، لا يكون السبب في نمط الحياة، بل في الوراثة.
السبب هنا غالبًا ما يكون مرضًا يُعرف بـ فرط كوليسترول الدم العائلي، وهو من أكثر الأمراض الوراثية تجاهلًا، رغم خطورته البالغة.
ما هو فرط كوليسترول الدم العائلي؟
هو اضطراب وراثي يؤدي إلى ارتفاع شديد في مستوى الكوليسترول الضار في الدم منذ الطفولة، نتيجة خلل في المستقبلات التي تنظم امتصاص الكوليسترول من الدم.
هذا الارتفاع الصامت يسبب تراكم الدهون في جدران الشرايين، مما يعجّل بحدوث تصلب الشرايين، ويزيد بشكل كبير من احتمال الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية في سن مبكرة.
ما الفرق بينه وبين ارتفاع الكوليسترول العادي؟
- في الحالة الوراثية، تكون المستويات مرتفعة جدًا حتى في مرحلة الطفولة.
- لا تتحسن الأرقام كثيرًا باتباع نظام غذائي وحده.
- هناك تاريخ عائلي واضح للإصابة بأمراض القلب أو الوفاة المبكرة.
أنواع فرط كوليسترول الدم العائلي
- النوع غير المزدوج (الخفيف):
- يحدث عند وراثة الطفرة من أحد الأبوين.
- يصيب حوالي شخص من كل 250.
- يزيد احتمال الإصابة بالنوبات القلبية في الأربعينات أو قبل ذلك.
- النوع المزدوج (الحاد):
- يحدث عند وراثة الطفرة من كلا الأبوين.
- أكثر ندرة وشدة.
- قد تظهر أعراضه في الطفولة المبكرة، وتحدث النوبات القلبية في سن المراهقة إن لم يتم العلاج.
العلامات والأعراض المحتملة
رغم أن المرض غالبًا ما يكون صامتًا، إلا أن بعض العلامات قد تظهر مع مرور الوقت، منها:
- تراكمات دهنية صفراء على الأوتار (خصوصًا وتر العرقوب).
- ترسب دهني حول العينين.
- هالة بيضاء أو رمادية حول القرنية (خاصة في سن مبكرة).
- تاريخ عائلي قوي للإصابة بأمراض القلب أو الوفاة المفاجئة.
كيف يتم تشخيص المرض؟
- تحليل دم: يظهر ارتفاعًا شديدًا في الكوليسترول الضار (عادة أكثر من 190 ملغم/ديسيلتر في البالغين).
- التاريخ العائلي: وجود أقارب أصيبوا بأمراض القلب أو توفوا قبل سن الخمسين.
- فحص جيني: يؤكد وجود طفرات في الجينات المسؤولة عن تنظيم الكوليسترول.
كيف يُعالج المرض؟
- العلاج بالأدوية:
- الأدوية الخافضة للكوليسترول، مثل مثبطات الإنزيم المسؤول عن تصنيع الكوليسترول.
- الأدوية التي تمنع امتصاص الكوليسترول من الأمعاء.
- في الحالات الشديدة، تستخدم أدوية أكثر تقدمًا تقلل إنتاج الكوليسترول أو تزيد من تكسيره.
- تغييرات في نمط الحياة:
- تقليل الدهون الحيوانية.
- الإكثار من الخضروات والحبوب الكاملة.
- ممارسة النشاط البدني بانتظام.
- الامتناع عن التدخين.
- علاجات متقدمة:
في النوع الحاد، قد يحتاج المريض إلى إجراءات تنقية دم خاصة لإزالة الكوليسترول مباشرة، وذلك إذا لم تفلح الأدوية.
هل يُنصح بالفحص قبل الزواج؟
نعم، خاصة في العائلات التي ظهر فيها المرض.
فرط كوليسترول الدم العائلي يُورث غالبًا بطريقة سائدة، مما يعني أن إصابة أحد الوالدين تكفي لنقل الطفرة إلى الأبناء.
الفحص الجيني قبل الزواج يُمكّن الزوجين من تقييم خطر الإصابة واتخاذ قرارات مدروسة بشأن الإنجاب.
الخاتمة
فرط كوليسترول الدم العائلي ليس مجرد رقم مرتفع في التحاليل، بل قنبلة موقوتة قد تنفجر في مرحلة الشباب.
لكن بفضل التشخيص المبكر والمتابعة الدقيقة، يمكن الحد من مخاطره بنسبة كبيرة.
إذا كنت تعاني من كوليسترول مرتفع رغم نمط حياتك الصحي، أو لديك أقارب أُصيبوا بنوبات قلبية في سن مبكرة، لا تتردد:
افحص نفسك، واسأل طبيبك، فقد تكون هذه الخطوة بداية حماية قلبك.